وُلد هذا القدّيس العظيم في مدينة كوما في صعيد مصر نحو السنة 251. وقد كتب سيرته القدّيس اثناسيوس بطريرك الاسكندريّة معاصره، قال: “وُلد أنطونيوس في مصر من أبوين مسيحيَّين تقيَّين”توفي والداه تاركَين له أختًا دونه سِنًّا، فكان لها الأخ الشفيق المحبّ. سمع يومًا كلام الإنجيل المقدس:إن كنت تريد أن تكون كاملاً فاذهب وبِع كلّ شيء لك واعطه للمساكين فيكون لك كنز في السماء وتعال واتبعني” (متّى 19: 21).فكان لهذه الآية وقعُها العميق في قلبه،فمضى فباع ما يملك، تاركًا لشقيقته نصيبها، ثم اودع اخته تحت مسؤلية جماعة من العذارى .واصبح بذلك حرا لتكريس حياته للسير حسب ارشاد رجل قديس يعيش بالقرب من بلدته الكوما ووزَّع ما خصَّه على الكنائس والفقراء. واعتزل الدنيا. وأخذ يزور النسّاك، صارفًا أكثر أوقاته بالصلاة والتأمُّل ومطالعة الأسفار المقدّسة. فحسده الشيطان وأخذ يجرّبه.
دعوته للدخول الى البرية .في أحد الأيام نزلت سيدة إلى النهر لتغسل رجليها هي وجواريها ، وإذ حول القديس نظره عنهن منتظرا خروجهن بدأن في الاستحمام . ولما عاتبها على هذا التصرف ، أجابته(لو كنت راهبا لسكنت البرية الداخلية ، لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الرهبان )وإذ سمع القديس هذه الكلمات قال في نفسه ( إنه صوت ملاك الرب يوبخني)وفي الحال ترك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية ،وكان ذلك حوالي عام 285م . استقر القديس في هذه البرية ، وسكن في مغارة على جبل القلزم شمال غربي البحر الأحمر ، يمارس حياة الوحدة . هناك حاربته الشياطين علانية تارة على شكل نساء وأخرى على شكل وحوش مفترسة أمّا أنطونيوس فكان ينتصر على هذه التجارب بالصوم والصلاة والتأمّل. ولم يكن يقتات سوى الخبز والملح وقليل من الماء. وبالرغم من انتصاراته على التجارب، لم يكن الشيطان لينفكّ عن منازلته.وانفرد في الصحراء ودخل قبرًا قديمًا أقام فيه أشهرًا. وما زال الشيطان يهاجمه بصور حيوانيّة مرعبة، لكنّه كان يقاومها بمعونة الله. وفي هذا العراك الهائل أشرق في هذا الكهف نورٌ سماويّ وظهر الربّ يسوع. فصرخ أنطونيوس:أين كنت يا سيّدي؟فأجابه الربّ: “كنت هنا، يا أنطونيوس، أشاهد جهادك”. ثم توغّل في صميم الصحراء، واستأنف حياة التأمّل ومناجاة الخالق مدّة عشرين سنة، إلى أن عرف الناس بمقرّه فأخذوا يأتونه من كل صوب. وطلب الكثيرون منهم أن يَقبَلهم في عداد تلاميذه، فأجاب طلبهم ونزل معهم إلى ضفاف النيل، حيث أنشأ لهم اديورة عديدة.وكثُر عدد الرهبان جدًّا وانتشر عبير الفضائل المسيحيّة في تلك البراري.وكان أنطونيوس يزور الأديار ويثبّت الرهبان في دعوتهم. ومن أقواله المأثورة: “يا بني لا تهمل ذكر الأبديّة؛ قل لنفسك في كل صباح أنّك ربما لا تعيش إلى المساء، وعند المساء أنّك ربما لا ترى نور النهار. قاوم التجربة بشجاعة، إنّ الشيطان ضعيف أمام الصوم والصلاة وإشارة الصليب”. وفي السنة 311 ثار الاضطهاد بشدّة على المسيحيّين، فهبَّت نار الغيرة في قلب أنطونيوس فسار إلى الإسكندريّة يشدّد عزائم الشهداء ويرافق المسيحيّين إلى المحاكم ويشجّعهم على الثبات في الإيمان، ولمّا خمدت نار الاضطهاد، عاد إلى صومعته يتابع حياته النسكيّة.رئيس المتوحدين عاش الانبا انطونيوس حياة الوحدة وكان يحارب بالملل والضجر و تثبيت العزيمة . وعندما كانت روحه تمتليء بالضجر و التشكيك كان يصلي قائلا ( يا الله انا اريد ان انجو ولكن هذه الافكار الشريرة لا تتركني . فماذا افعل ؟ ) وأعتراه الملل ذات يوم فسمع صوتا يقول له ( اخرج خارجا وأنظر ) فخرج ورأى ملاكا متوشحا بزنار صليب مثال الأسكيم المقدس ، وعلى رأسه قلنسوة ، وهو جالس يضفر ، ثم يقوم ليصلي ، ثم يجلس ليضفر أيضا . وأتاه صوت يقول له ( ياأنطونيوس افعل هكذا وأنت تستريح ) فاتخذ لنفسه هذا الزي من ذلك الوقت وصار يعمل الضفيرة ولم يعد إليه الملل . وتنبأ عن الأضطهاد الذي سيحل بالكنيسة وتسلط الهراطقة عليها ، ثم أعادتها إلى حالتها الأولى ، وعلى أنقضاء الزمان . ولما زاره القديس مقاريوس ألبسه زي الرهبنة وأنبأه بما سيكون منه .حياة الوحدة :ان حياة الوحدة جعلت الانبا انطونيوس اب روحي يسبق جميع الآباء .هرب من اهتمامات ومشتهيات العالم ولكن ليس من حب اخوته .لذلك كان يزور الاسكندريه وقت اضطهاد المسيحيين من ماكسيميان داجا سنة 316 .كان يقضي وقته في خدمة المظلومين والمعذبين والمتألمين في السجون. وعندما انتهى الاضطهاد عاد لمكانه ليحارب بشجاعة كل يوم كشهيد للحق بضمير يقظ في المعارك المستمرة من اجل الخلاص .مرة اخرى زار الاسكندرية ليدعم البابا أثناسيوس الرسولي امام بدعة اريوس عام 352 .الوثنيين والمسيحيين على حد سواء تزاحموا في المدينه ليرحبوا بالقديس العجوز . ولكنه بسرعة عاد الى الصحراء لانه شعر كسمكة خارج المياه ومنّ الله عليه بموهبة شفاء الأمراض وطرد الشياطين، فتقاطر الناس إليه أفواجًا فخاف من روح الكبرياء، فهرب إلى بريّة تيبايس العليا. وبعد أن عثر رهبانه عليه زار أدياره وحثّ الرؤساءوالرهبان على مواصلة السير في طريق الكمال، وعاد إلى خلوته.ثمّ زار القديس بولا أوّل النسّاك. وفي السنة 325 ازدادت هرطقة الأريوسيّين تفشيًا في الإسكندريّة، فدعاه القديس اثناسيوس إليها فلبّى أنطونيوس الدعوة، رغم كبر سنه، فخرجت المدينة لاستقباله. فأخذ يحذّرهم من الهرطقة الأريوسيّة، ويبيّن لهم أنّ المسيح إله حق وإنسان حق. ثم عاد إلى جبله.وكانت له المنزلة الكبرى لدى العظماء والملوك، لا سيّما الملك قسطنطين الكبير الذي كتب إليه يطلب صلاته وشفاعته.وفي المرحلة الأخيرة من حياته، زار أديرة رهبانه محرِّضًا الجميع على الثبات في طريق الكمال. ولما شعر القديس أنطونيوس بقرب نياحته ، أمر أولاده الرهبان أن يخفوا جسده ،وأن يعطوا عكازه لمقاريوس،والفروة لأثناسيوس، والملوطة الجلد لسرابيون تلميذه . ثم رقد ممددا على الأرض وأسلم الروح ، فتلقتها صفوف الملائكة والقديسين ، وحملتها إلى موضع النياح الدائم . وقد عاش هذا القديس مائة وخمس سنوات ، مجاهدا في سبيل القداسة والطهر ، ورقد بسلام في 17 ك2 356.