اختبارات يفعلها الشيخ للمريد لاصلاح باطن قلبه وقصة التبريزى و الرومى
استضاف الشاعر جلال الدين الرومي (المُلقب مولانا)، ذات يوم صديقه ومُعلمه الشاعر شمس التبريزي، لوجبة العشاء بمنزله. شاهد شمس سُفرة الطعام التي أُعدت له وسأل أين النبيذ؟ رد مولانا مُستغربًا: لم أكن أعلم بأنك تحتسي الخمر؟ فقال شمس بالطبع، وعليك جلب القليل منه.
أكد مولانا عدم تمكنه من تلبية طلبه بهذا الوقت من الليل، فرد شمس أرسل خدمك لهذه المُهمة، فقال الرومي: سأفقد الاحترام وكرامتي إن فعلت ذلك! إذًا عليك أن تقوم بالمُهمة، الجميع يعرفني بهذه المدينة كيف أذهب لشراء الخمر؟ فرد شمس إذا كنت تُقدرني وتهمك راحتي يجب أن تفعل ذلك، لأنني لا أستطيع الأكل أو النوم بدون الخمر.
أضطر مولانا، لعظم حبه وتقديره لضيفه ومُعلمه، إلى إخفاء زجاجة فارغة تحت ردائه والذهاب لأحد الأحياء بالمدينة لشراء الخمر. استغرب الناس دخول مولانا بذلك الحي وزادت دهشتهم عند مشاهدة دخوله لإحدى الحانات وقيامه بشراء النبيذ وإخفائه! وبدأ البعض بملاحقته.
لاحظ مولانا تزايد ملاحقيه بطريق العودة للمنزل حتى وصل إلى المسجد الذي يؤم فيه المصلين، عندها صرخ أحد خصوم مولانا: هذا المنافق يُظهر الإيمان ويشتري الخمر بالخفاء!،وضرب على رأسه بقوة حتى سقطت عمامته وبصق عليه، غضب الحاضرون من تصرف مولانا واستعدوا للهجوم عليه بُغية تأديبه والانتقام منه، عندها صرخ شمس التبريزي بأعلى صوته «ألا تخجلون من تشويه سُمعة رجل الدين الجليل واتهامه بشراء الخمر لشربه؟ وأضاف: الزجاجة التي يحملها تحتوي على خلّ الطعام».
صاح منافس الرومي: «هذا كذب ولا يحمل الخلّ، بل الخمر» عندها سكب شمس محتوى الزجاج في أَكُفّ الحاضرين وأثبت للجميع بأن ما بالزجاجة ليس سوى خلّ. عندها ارتمى منافس الرومي على قدمي مولانا وقَبَّل يديه للاعتذار عما بدر منه، وقام الناس بالاعتذار وتقبيل يدي مولانا والانصراف.
عندها خاطب مولانا صديقه: لِمَ خاطرت بحياتي وسمعتي وكرامتي، ووضعتني بهذا الامتحان الصعب؟ فقال شمس: لا شك بأهمية كسب محبة الناس ولكني أردتُ تذكيرك بإمكانية فقدان كل هذا التقدير والاحترام الذي يقدمه لك عامة الناس بأي لحظة، فلا تغتر بذلك السراب القابل للزوال برمشة عين ولأي سبب تافه! كُنتَ تعتقد بأن هذا الاحترام والتقدير ثروتك الأبدية، ولكن شاهدت سرعة زوالها، ورأيت تحول مُحبيك إلى أعداء بمجرد الشك بتصرفاتك! لا يمكننا الاعتماد على الظروف المُتغيرة والزائلة بهذا العالم الفاني، فالحياة مليئة بالامتحانات الإلهية التي تمنحنا القوة والصلابة «فالضربة التي لا تقتلك تُقويك»، لذا تجب مواجهة الحياة بالعزم والحزم والإيمان بالله والتوكل على من لا ينسى عبده، فلا يبقى للمرء سوى أعماله الصالحة وتصرفاته الاخلاقية وحبه الحقيقي للناس وسعيه في خدمة بني البشر وإسعادهم.