أولا صلو على رسول الله صلى الله عليه وسلم
شكراً على المشاهدة
### **خطبة بعنوان: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق**
**الحمد لله** نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
**أما بعد:**
فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين:
**﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾** [النساء: 131]
عباد الله، حديثنا اليوم عن قاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين، وهي ما أرشدنا إليه رسولنا الكريم ﷺ بقوله:
**"إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى"** [رواه البخاري].
إنها وصية نبوية عظيمة تضع لنا منهجًا متوازنًا في التعامل مع الدين، فديننا الإسلامي متين، عظيم في أوامره ونواهيه، شامل لكل مناحي الحياة، لكنه في ذات الوقت دين اليسر والسماحة، لا يريد الله منا العنت ولا المشقة، وإنما يريد لنا الخير والفلاح.
### **التوسط والاعتدال في العبادة**
أيها المسلمون، إن من رحمة الله بعباده أنه لم يكلفهم فوق طاقتهم، بل قال سبحانه:
**﴿ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ ﴾** [البقرة: 185]
وقد رأينا كيف وجَّه النبي ﷺ أصحابه إلى الاعتدال في العبادة، لما جاءه ثلاثة نفر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل ولا أنام، وقال الثاني: وأنا أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء. فقال لهم النبي ﷺ:
**"أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"** [رواه البخاري ومسلم].
هذا هو منهج الإسلام الوسطي، لا غلو فيه ولا تفريط، فالذي يشدد على نفسه في العبادة حتى يرهق بدنه، سيعجز عن الاستمرار، وربما يمل أو يترك العبادة بالكلية، ومن هنا قال النبي ﷺ:
**"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"** [رواه البخاري ومسلم].
### **الرفق في معاملة النفس والناس**
أيها المسلمون، كما أن التيسير في العبادة مطلوب، فإن الرفق في معاملة النفس والناس من هدي النبي ﷺ، فقد قال:
**"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه"** [رواه مسلم].
وقد كان ﷺ رفيقًا بأصحابه، لا يحملهم ما لا يطيقون، بل يراعي ظروفهم وأحوالهم، وكان يوصيهم بذلك، فقال لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن:
**"يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا"** [متفق عليه].
وهذا الرفق ينبغي أن يكون في تعاملنا مع أهلينا، وأولادنا، وطلابنا، وسائر من حولنا، حتى يدوم الحب والمودة، وينتشر الخير والصلاح في المجتمع.
### **الخاتمة**
عباد الله، إن هذا الدين متين، وهو طريق مستقيم يؤدي إلى الجنة، لكنه يحتاج إلى تدرج وحكمة في السير عليه، فلا إفراط يرهق النفس، ولا تفريط يضيع الأجر.
فلنأخذ من العبادة ما نطيق، ولنحرص على الاستمرار، ولنسلك طريق الرفق واليسر الذي جاء به نبينا ﷺ.
**اللهم اجعلنا من أهل الاستقامة والاعتدال، ووفقنا لطاعتك على الوجه الذي ترضاه، واغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.**
**وأقم الصلاة...**