MENU

Fun & Interesting

اللحظات الفارقة في تاريخ علي عزت بيجوفيتش د. عبد الوهاب المسيري - صوت اوضح

يوتوبيا 100,173 5 years ago
Video Not Working? Fix It Now

اعادة رفع لمحاضرة د عبدالوهاب المسيري بعنوان اللحظات الفارقة في تاريخ علي عزت بيجوفيتش الرئيس على عزت بيجوفيتش (الرئيس السابق للبوسنة، وقائدها السياسى، وزعيمها الفكرى والروحى) صاحب اجتهادات مهمة فى تفسير ظاهرة الإنسان فى كل تركيبيتها. وهذه التركيبية، المرتبطة تمام الارتباط بثنائية الإنسان والطبيعة، هى نقطة انطلاقه والركيزة الأساسية لنظامه الفلسفى. ولكن قبل أن نحاول أن نصنف إشراقاته وأفكاره المختلفة، وقبل أن نتكشف عالمه الفكرى لابد وأن نشير إلى أنه ليس « مجتهدًا » وحسب، وإنما هو « مجاهد » أيضًا، فهو مفكر ورئيس دولة، يحلل الحضارة الغربية ويبيَّن النموذج المعرفى المادى العدمى الكامن فى علومها وفى نموذجها المهيمن، ثم يتصدى لها ويقاوم محاولتها إبادة شعبه. ولكنه فى ذات الوقت يستفيد من اجتهادات المفكرين الغربيين المدافعين عن الإنسان، ولعل إيمانه بالإنسان (الذى ينبع من إيمانه بالله وإدراكه لثنائية الطبيعة البشرية) هو الذى شد من أزره إلى أن كتب الله له ولشعبه النجاة، وهو الذى مكنه من أن يلعب هذا الدور المزدوج… دور المجاهد والمجتهد، ودور الفارس والراهب. وتتميز كتابات على عزت بيجوفيتش بالوضوح والتبلور (وقد قام الأستاذ محمد يوسف عدس بترجمة أهم كتبه الإسلام بين الشرق والغرب إلى العربية بلغة فصيحة وخطاب فلسفى مركب، فجاءت ترجمته عملا فلسفيا راقيا يتسم بالدقة والجمال). وتجربة بيجوفيتش فريدة، فقد درس العالم الغربى الرأسمالى عن كثب، ولذا نجد فى دراسته –على سبيل المثال- إحصاءات عن دور السينما التى تعرض أفلاما إباحية فى ألمانيا، وعن نسبة الجريمة وتصاعدها فى الولايات المتحدة الأمريكية، وعن معدلات الانتحار فى الدول التى توصف بأنها « متقدمة ». وهو قادر على استيعاب كل هذه المعلومات وتصنيفها وتوظيفها لأن لديه إلماما غير معتاد بالفلسفات الغربية، وهو ليس كإلمام أساتذة الفلسفة الذين يعرضون للأفكار الفلسفية المختلفة عرضا محايدًا، بل هو إلمام المتفلسف الحقيقى الذى يقف على أرضية فلسفية راسخة ويطل على الآخر فيدرك جوهر النموذج المعرفى الذى يهيمن عليه. فنراه يتحدث بطلاقة غير معتادة عن نيتشه وياسبرز وكيركجارد، وذلك فى سطور قليلة تبين مدى استيعابه لرؤاهم الفلسفية، وكذا مدى وصوله إلى أعماقها وبنيتها المادية العدمية المدمرة، أو بنيتها الإيمانية الكامنة. ومعرفة النظام الرأسمالى بعمق جزء من تجربة كثيرين من مثقفى العالم، لكن الذى يميز على عزت بيجوفيتش هو أنه إلى جانب معرفته هذه عاش تحت ظلال الماركسية والاشتراكية، فأدرك منذ البداية أننا لا نتحدث عن نظامين مختلفين، واحد رأسمالى والآخر اشتراكى، وإنما نتحدث فى واقع الأمر عن نموذج معرفى واحد كامن يأخذ شكلا اشتراكيا فى حالة الاشتراكية، وشكلا رأسماليا فى حالة الرأسمالية، وأن هناك -من ثَم- رؤية واحدة وراء كل تلك المنظومات المتصارعة المتنازعة. والتجربة الرأسمالية هنا لا تختلف على الإطلاق عن التجربة الاشتراكية، إذ يصدر النمطان عن مقولة الإنسان الطبيعى، أى الإنسان ذى الأصول المادية الطبيعية الكامنة وراء كل من النظامين الرأسمالى والاشتراكى. وقد توصل على عزت بيجوفيتش إلى إدراك هذه الوحدة الكامنة وراء التنوع لأنه استخدم نموذجا تحليليا معرفيا مركبا. فقد أدرك البعد المعرفى الكلى والنهائى للظواهر التى يدرسها، سواء أكانت نظرية التطور أم الفلسفة العدمية أم العقيدة الإسلامية. ودراسة البعد المعرفى والنهائى الكلى هو فى نهاية الأمر إجابة عن سؤال أساسى وهو: ما الإنسان؟ والإجابة عن هذا السؤال هى التى تحدد طبيعة النموذج الحاكم. واستخدامه النموذج كأداة تحليلية مكّنه من الربط بين ظواهر قد تبدو وكأنها لا علاقة للواحد منها بالآخر، بل متناقضة، ظواهر لا يمكن الربط بينها إن اتبعنا منهج الوصف الموضوعى العادى. فبيجوفيتش يربط بين كل من الدين والأخلاق والفن والحرية وذلك باستخدامه النماذج المركبة. ومن النقاط الأساسية المنهجية التى يجب أن نتنبه إليها أن على عزت بيجوفيتش فى استخدامه النموذج كأداة تحليلية لم يشيّئه، أى لم يتصور أن له وجودًا ماديا مستقلاً وكأنه مقياس جاهز يقيس به الدارس كل شيء، بل رأى أنه مجرد آلية يمكن تصنيف المعلومات والظواهر من خلالها ثم تفسيرها. وهو يدرك تماما أن النموذج المجرد الذي قد يهيمن على الإنسان مختلف تمام الاختلاف عن تجربته الحياتية المعيشة، فيقول: إن الإنسان الذي يهيمن عليه النموذج المادي أو الإلحادي لا يمكن أن يكون ماديًا ملحدًا تمامًا حتى ولو أراد ذلك من أعماق قلبه. ثم يضرب مثلا بماركس والماركسية فيقول إن ماركس رغم أنه ملحد، لكنه -على حد قول برتراند رسل- بشّر بأمل كوني لا يمكن تبريره إلا إذا كان صاحبه من المؤمنين بالألوهية، أى بشىء متجاوز للواقع المادى المباشر. بل إن ماركس حول الرأسمالية والطبقة البروليلتارية إلى رموز حية للشر والخير. والماركسية فى إطارها المادى « تتبنى فكرة الحتمية التاريخية، ولكن كحياة معيشة كان لابد أن تتخلى عن هذه الفكرة ». والنموذج كأداة تحليلية، لا كشىء إمبريقى، يشبه المجاز اللغوى. فالمجاز ليس شيئا، وإنما هو أداة نقوم من خلالها بربط المعلوم بالمجهول، وبذلك يمكننا أن نعمق من إدراكنا للمجهول. فالمجاز (مثل النموذج) يعبر عن الثنائية التى تَسِم الوجود الإنسانى، وثنائية النموذج (المجرد) فى مقابل الواقع المعيش هو تعميق لهذه الثنائية. وكما سنبين… فهذه الثنائية ليست ازدواجية؛ لأن التجربة المعيشة هى توحيد بين الجانبين النظرى والعملى، الروحى والمادى، ومن ثم فهذه التجربة المعيشة ليست هذا ولا ذاك، بل هى أكثر تركيبية من أى منهما بمفرده.

Comment