MENU

Fun & Interesting

قاعدة (القدر المشترك والقدر الفارق) | أ.د. صالح سندي

Video Not Working? Fix It Now

قد أحسن ابن القيم حينما قرر في ((طريق الهجرتين)) فيما يتعلق في فهم هذه القاعدة المهمة، وهي: قاعدة القدر المشترك، والقدر الفارق، قال: (هذه عقدة الناس فمن حلها فما بعدها أيسر منها)، من يفهم هذا الموضوع المهم وهو قدر مشترك ووجود قدر فارق يزول عنده الإشكال، ولذلك تأمل معي قول الله : ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ هذه صفة لله وهي الشهادة: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾]آل عمران:18[. الله في هذه الآية أثبت الشهادة لثلاثة: لذاته العلية جل وعلا، وللملائكة، وأولي العلم. الآن دعنا في الملائكة وأولي العلم، هل شهادة الملائكة وأولي العلم متفقة في الحقيقة والكمنه والكيفية أم مختلفة بحيث الذوات؟ فأولوا العلم يشهدون شهادة تناسب ذواتهم، والملائكة يشهدون شهادة تناسب ذواتهم، وذات الملائكة ليست مشابهة لذوات أولي العلم. إذن حصل قدر مشترك هو: كلمة شهادة، وحصل قدر فارق وهو: الحقيقة والكنه والكيفية. إذا كان هذا ثابتًا بين مخلوق، فلأن يكون هذا ثابتًا بين المخلوقين والخالق من باب أولى. الله أثبت هنا قدرًا مشترك مع ثبوت القدر الفارق، فلله كشهادة تليق به لا كشهادة المخلوقين؛ لأن الله قال ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾]الشورى:11[،﴿هل تعلم له سميا﴾ ﴿ولم يكن له كفوًا أحد﴾[الإخلاص:4]. ثبوت القدر المشترك لم يكن منا، الله هو الذي أثبته. تأمل قول الله: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾]غافر:35[. الله أضاف هاهنا الصفة الواحدة إلى ذاتين إلى ذاته العلية له جل وعلا وللذين آمنوا وهي: صفة المقت، المقت: أشد البعد، والله يمقت، والذين أمنوا أيضًا يمقتون، من الذي أثبت ذلك؟ الله الذي أثبت هذا، أنه يمقت، والمخلوقون يمقتون، فهل كان هذا تمثيلًا، أيقول هذا مسلم؟ ومع ذلك نحن نعتقد ونثبت أن مقت الله لا كمقت الذين آمنوا، لله مقت يليق به، وللمخلوق مقت يليق به. خذ مثلًا: قال جل وعلا: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾]القصص:77[. إذن الله يحسن، والمخلوق يحسن، هناك قدر مشترك في أصل الصفة وهي: الإحسان مع ثبوت قدر فارق، فإحسان الله يليق به لا كإحسان المخلوقين، وللمخلوقين إحسان يليق بهم لا كإحسان الله، وبذلك أثبتنا الصفات ونزهنا الله عن مشابهة المخلوقين. إذن منهج أهل السنة والجماعة إثبات لا يُبالغ فيه حتى يصل إلى درجة التكييف التمثيل، وتنزيه لا يبالغ فيه حتى يصل إلى درجة التعطيل والتحريف، إنما هو منهج وسط يلخصه قول الله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾]الشورى:11[. لاحظ أن: قاعدة القدر المشترك والقدر الفارق موجودة في هذه الآية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ دلت على: ثبوت القدر الفارق، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ دلت على: ثبوت القدر المشترك. ولحكمة يعلمها الله، -وقد تكون ما أقول-: إن الله أضاف إلى نفسه في هذا الموضوع صفتين لا يكاد يخلو منهما حي السمع والبصر، مع أن السمع ليس كالسمع، ولا البصر كالبصر، ولا السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، لله سمع وبصر، وللمخلوق سمع وبصر، الله قال هاهنا: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾]الشورى:11[، وهو الذي قال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾]الإنسان:2[. إذن ثبتت الصفة له وثبتت الصفة للمخلوق مع أن الله ليس كمثله شيء.

Comment