نَـــــاءَتْ عـلـيَّ ودورُهــا أَطــلالُ
وَتَـقَطَـعـــتْ مِـنْ وصـلِهـا الآمـالُ
وبَــكــيتُـهـا حـتى عَــيـيـتْ وذَمَّـني
شِــيــبُ الـرؤوسِ ومَـلَّني الأطفالُ
أُمَّ الحُـسَـيـنِ أمـا تـريـنَ خـليـلَـكِ
صَـــبُّ الفــؤادِ ودمـعُــهُ هــمّـــالُ
يَدعـــو ولا صـوتٌ يُجيبُ وقطِّـعَتْ
كـبــــدٌ لَــهُ لِـجـفــائـــكِ أَوصــــالُ
أمّــا تَــريـهِ وقــد تَـحَــطَــمَ عــودهُ
ورَمَــتـهُ مِــنْ أَسـهـامـهـا الأغـوالُ
وهَــوى إلـى أَرضِ الفـراقِ مُــرَمَّلٌ
تَـــحُــفُّــهُ مِــنْ فَـقـــدِكِ الأهــوالُ
مـا مُـــصــرَعٌ قــد وَزَّعَـتْ اشـلاءَهُ
فـــوقَ الفـــلاةِ أَسِــــنَّــةٌ وَصِــقـالُ
وعِـــظـامُــهُ دُكَّــتْ بـخـيلِ كـراهَةٍ
مُــبــــراً، فـــلا إثـــمٌ لَـــهُ وضَـــلالُ
لَـمْ يَـبـتَـدِأهُـم بالقِتـالِ ولـم يَـكُــنْ
ثـــــأرٌ لَـديــهِـــمْ عِـــنــدَهُ أَو مـــالُ
ذَبَحــوهُ صـبراً وانـتهى فـوقَ الثرى
تَــسْـفـي عـليهِ مِــنَ الــرياحِ رِمــالُ
ودنــى عـلــيـهِ كُــلُّ نــابٍ نــاهــشٍ
أو مِـــخـلَــبٌ شــــاكٍ لَـــهُ إقــبــالُ
ودمـاؤهُ ذَهَـبتْ خَسيسَ ولـمْ يَـقُم
عَـــــمٌ لِـيَــطـلُـــبَ ثــــأرَهُ أو خَـــالُ
يــــومــاً بـأكـثـرَ مِــنْ أَذايَ يَــمُـــرُّهُ
أَو مِـــثـــلَــهُ أو دونَــــهُ لَــيَـــخـــالُ
فـــأَنـا الــذي قـد ذاق كُـلَّ صبيـحةٍ
سَــكــراتِ مِــيــتَـتِــــهِ ولا قَـــتّـــالُ
فَـفِــراقُـكِ كـعــذابِ أَهـلِ جَـهَـنَّــمٍ
مُــتَـــجَــــدِدٌ أَبـــــداً ولا يَــنــــــزالُ
والـهــفَ نـفـســي فـاطـمٌ إذ ادبـرتْ
عِـــيْـرٌ تُـثَــقِّــلُ ظَـــهـرها الأَحـــمالُ
صــنــمٌ كــأَنّــي إذ نَــمَـتْ أَقـتـادُهـا
ويــــمـيــنُ إِبـــراهـيـمَ بــي تـنـهـالُ
مَــهــلاً أَبَــيـتِ اللَّعـنَ أَيــنَ وعـودُنا
أَضَــلَـــلّـتِـهـا وبــدا لَــكِ التِــرحــالُ
هــــل تــذكُريـنَ وقــد لَـهـونا ليـلَـةً
والبــــدرُ زاهٍ والـــــريـــاحُ شَــــمـالُ
وَرَشَـــفـتُ راحــاً مِـن رِضـابِكِ مـالهُ
غَــــولٌ، وخــمـرُ جِـــنـانِـكِ لَـحَــلالُ
نــاجَــيـتِــنـي سِـــرَّاً بِــأَنّ قُـــلـوبَــنـا
أَبـــــداً أُلـُــــوفٌ والفِــــراقُ مُــحــالُ
وإذا بِـــدُنـــيـانـا الـغَــرورُ تَـــقَـلَّــبـتْ
فَـمَـنـيـفُ قُــربِ العاشـقـيـنَ خَــيالُ
فَـهَـرَعتُ مِنْ جـورِ الأذى ومَـطيَّــتـي
عَـــوجــاءُ فـي مِـضـمـارهِـا مِــرقــالُ
تَعـــدو ولَـــم تَـعــبَـأ بمُــوعـرِ دربــها
صـفـــوانَ ثـــؤِّفَ مُــثـقــلٌ هــطّـــالُ
فـي المَــورِ تَأنَــفُ أنْ تَــدُكَّ كـــأنّـهـا
أوعــالُ ذَلَّــلَ سَـعــيَــهُــنَّ جِـــبـــالُ
مَـــأمــونَـةٌ كَـبِــســاطِ ريــحٍ ســاقَــهُ
أَمــــــرُ سُـــــلَــيــمـانٍ، ولا إِخــــلالُ
وَالنَــحـضُ فـي أَفــخاذِهـا مُـتَــكَـوِّمٌ
أَجــســـادُ صَــرعـى نــالَـهـا الأبـطـالُ
وَسِـــنامُـها عَــلَــمٌ عَـلـيّـهـــا خَـــفَّــهُ
سِـحــرٌ وَلَـيـسَ لِـسِحــرِهـا إِبــطــالُ
جـــاوزتُ فــيــهـا كُــلَّ هــادٍ ســابِـقٍ
لَــم يَــبـدو مِــنـها الأَيــنُ والإِكـــلالُ
وكَــأنَّـهــا سَــيّـفٌ تَجَـــرَّدَ فــي يَــــدٍ
داسَـــتْ عــلى مَـحــمـيِّــها الجُـهّـالُ
فيــها مَــضَـيــتُ وَلِلــحَـيــاةِ مَــرارَةٌ
مــا لٱبـــنِ آدَمَ عِــنـــدَهــا إِمـــهــالُ
فَـعـطــاؤها أخــذٌ، ونِـعـمَــتُـهــا أَذًى
وَسَـــفـيــــرُهــا داجٍ ولا يَــنــجــــالُ
مــا عُـــصــبَـةٌ فـيـها إذا مــا فُـرِّقَـتْ
خُــرسُ الـديــارِ كَـأنَّــهُـم مـا قـالـوا
نـائــوا وَذِكــراهُــم بـــقَـلبيَ لَـــوعـةٌ
وَلَــهُـم بِــعَــيـــنـي صــورَةٌ وَظِــلالُ
فَـلَـكَم بِهِـم حَـسَنُ الخَـليقةِ مـاجِـدٌ
قَـــوّالُ صَــمّــتٍ بِالـوَغــى فَــعّــــالُ
حُـلــوُ المَـواهِــبِ لا يَــزالُ عَــطاؤهُ
حَــتّـى إذا ضــاقَــتْ بِـــهِ الأَحــــوالُ
سَـبّـاقُ خَـيـراتٍ، شَـريـفُ خُـصـومَـةٍ
رَأسٌ إذا كُــــــلُّ الــــــوَرى أَذيــــــالُ
جَـلِـدٌ، عَـفـيفُ النَـفـسِ، حـامٍ جــارُهُ
كَــــرٌّ بِــفَـــرٍّ، راسِـــــخٌ إنْ مـــالـــوا
كُــلُّ المُــلوكِ بـبـابِـهِ قَـد خُيّـسَــتْ
وَبِــبــابِــهِ لِـعَــبـيــــدِهِـــا إجـــــلالُ
مــا زالَ يُــطــعِـمُ فــي إنـاءِ مُحــمدٍ
يَـــشـفــي فَـــزادٌ طَـــيّــبُ وَحَـــلالُ
الـغـافِــرُ الـذَنـبَ العَظـيـمَ مُـمَكَــنٌ
والســـوءُ بالحُــســنــى لَـهُ إبــــدالُ
أَبِــمِــثـلِهِـم جــادَ الـزَمانُ مُجَـــدَداً
هَـيــهــاتَ أنْ تـأتــي لَــهُــم أَمــثـالُ
مـا كُـنـتُ أَحـتَـمِـلُ الحيـاةَ خِلافَهُم
إلّا مَــقــالـةَ مَـــنْ بِـــهـا قَــد قــالـوا
إنْ فَــرَّقَـتـنا فـي المَـعايـشِ ساعَـــةً
عـــادَتْ تُـجَـمِّــعُ شَـمـلَـنــا الآجـــالُ
-جعفر السَلَـمي