الشيخ الألباني ما حكم الجهاد في فلسطين و ماهي أسباب وقوع المسلمين في الذل
الشيخ : الجهاد في الأفغان ، كالجهاد في كل البلاد التي غزاها الكفار، ومن الغفلة إلى حد بعيد أن الناس يؤخذون بالعواطف، فتثور ثورة في بلد ما، فتثور عواطف ونريد أن نجاهد، فإذا ما مضى بضع سنين أصبحت الثورة هذه خامدة في نفوس الناس، وأصبح الجهادُ نسياً منسياً ، فإذا ما أثيرت مشكلة أخرى في بعض البلاد الإسلامية، أيضاً ثارت عواطف المسلمين وسألوا عن حكم الجهاد، فنقول:
الجهاد قبل حادثة أفغانستان ، وقبل حادثة سوريا ، وقبل حادثة فلسطين، كل هذه الحوادث وهذه الحروب الظالمة التي وقعت في بعض البلاد الإسلامية من أهل الكفر والضلال الجهادُ فيها فرضُ عينٍ على المسلمين، لا يجوز لهم أن يتأخروا عن هذا الجهاد إطلاقاً لأن العلماء قسّموا الجهاد إلى قسمين:
1 - جهاد حكمه فرض العين .
2 - وجهاد حكمُه : فرض كفائي .
أما الجهادُ الأول الذي هو فرضُ عين: فهو إذا ما غُزيت بلدة واحدة من بلاد الإسلام، فعلى المسلمين أن يخرجوا أو على الأقل أن يخرج جماعة منهم يتحقق بهم الواجب ألا وهو صد هذا الكافر الذي غزا البلد المسلم، فإن لم يشف ذلك، فيتتابع المسلمون حتى لو فرضنا أنه يجب عليهم جميعاً أن يخرجوا فهو واجب وجوب عينيا، إذا تأخروا أثموا جميعاً، والآن ليست القضية قضية أفغانستان فقط، فهذه البلاد قريبة منكم وبعضكم منها، شريد وطريد ، وهي فلسطين ، فأصبحت فلسيطن الآن مع الأسف الشديد نسياً منسيّاً ، و الا فرق في الجهاد هنا أو هناك، كله فرض عين .
لكن الحقيقة المؤسفة أن المسلمين مع وجود هذا الحُكم الصريح، وهو أن الجهاد فرض عيني، لا يستطيعون الجهاد، لا حكومات ولا شعوباً، ذلك لأن المسلمين ابتعدوا مع الأسف عن الجهاد النفسي الذي قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : ( المجاهدُ من جاهدَ هواه لله ) فنحن نجد اليوم المسلمين بعيدين كل البعد عن مجاهدتهم لأهوائهم ولنفوسهم في عقرِ دارهم، بل وفي عقرِ بيوتِهم مع أهليهِهم ومع أولادهم، ولذلك فمثل ذاك الجهاد الذي قلنا إنه فرضُ عين يتقدمُه عادةً وشرعاً جهادٌ لا يتساءل عنه كثير من المسلمين اليوم بل هم عنه غافلون، من أعظم الجهاد أن يبتعد المسلم عن ارتكاب المحرمات التي يستطيع أن يكون بعيداً عنها وليس هناك أي سلطة تفرض عليه الإرتكاب بما حرم الله -تبارك وتعالى- ، ولقد أشار النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى بعض الأسبابِ التي تكونُ سبباً لوقوعِ المسلمين في مثل هذا الذل الذي يدفعنا أن نتساءل: ما حكمُ هذا الجهاد ؟ يجب أن ننظر إلى الأسباب التي أودت بالمسلمين إلى محاربة الكافرين إياهم وعدم استطاعة المسلمين لصدهم عن بلادِ الإسلام، ما هي الأسباب؟ لقد ذكر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعض الأسبابِ في بعضِ الأحاديث الثابته، من أشهرها قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهادَ في سبيلِ الله، سلّط اللهُ عليكم ذلاَ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) فالرجوعُ إلى الدين هو الواجب الأول اليوم على المسلمين الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيلِ اللهِ حقاً، والرجوع إلى الدين معناه الرجوع إلى أحكامِه التي أنزلها اللهُ -تبارك وتعالى- على قلبِ نبيه -عليهِ الصلاةُ والسلام- وبخاصّة الرجوع إلى الكسب الحلال الذي ابتعد عنه كثير من المسلمين إن لم نقل أكثر المسلمون اليوم وبخاصّه التجّار منهم .
إذا ما وقع المسلمونَ فيها استحقوا الذُلّ أن يقع عليهم من عدوهم قال عليه السلام : ( إذا تبايعتم بالعينة ) التبايع بالعينة ذكرنا أكثر من مرة ولا أريد الآن العودة إلى ذلك وإنما هي صورة من صور البيوع المحرمة، بل هي صورة من صور البيوع الربوية، وأصلُ هذا البيع يسمى ببيع العينة، ما ابتلوا المسلمون به اليوم جميعاً إلا قليلاً قليلاً جداً وهو معروف بين ظهرانيكم وواقع ، وهو بيع التقسيط، بيع العينة قائم على بيع التقسيط، بيع التقسيط من حيث هو وفاء على أقساط، فليس فيه شيء، بل هو أفضل من بيع النقد ، لكن إذا استغل هذا البيع بيع التقسيط بثمن زائد عن بيع النقد، فهو رباً بشهادة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من باع بيعتين في بيعة فلهو أوكسهُما أو الرباً ) ، ( أوكسهُما ) أي : أنقصها ثمناً ، ( أو رباَ ) اليوم هؤلاء المسلمون الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيلِ الله ويتحمسون للجهاد في سبيل الله ، ولا سبيلَ لهم إلى ذلك لما ذكرناه فيما سبق، لماذا لا يجاهدون أنفسهم فلا يبايعون بيعتين في بيعة واحدة بسعرين متفاوتين ؟ وهذا لا أحد يفرض عليهم، ذلك لأنهم تكالبوا على الدنيا، وهذا ما أشار إليه الرسول عليه السلام في تمام الحديث حين قال: ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ) كناية على ربطُ المزارعين وراءَ زرعِهم ووراء أبقارهم وحيواناتهم التي يستعملونها في تحصيل المال ولا يكفيهم تحصيل هذا المال بطريق الحلال بل ينكبون وراء تحصيلِ المال حتى يضيّعون واجباتهم، كثير من التجّار ومن المزارعين ينصرفون عن الصلاة وعن القيام حتى بالواجبات العائلية وراءَ تهجمهم على هذا الكسب الذي ذكره الرسول عليه السلام في هذا الحديث، حيث قال: ( وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع ) هذا التكالب في الدنيا هو الداء العضال إذا سيطر على الأمّـة ، ماتت فيها غريزة الجهاد الشرعية التي بسبب تكالب الإنسان على المادة لا يبالي بالآخرة، ولذلك جعل الرسول عليه السلام هذه الأسباب سبباً شرعياً لإستحقاق المسلمين أن يقع الذل عليهم ثم وصف لهم العلاج في قوله عليه السلام : ( لا يرفع اللهُ هذا الذل حتى ترجعوا إلى دينكم ) والرجوع إلى الدين -وأوجز الآن الكلام- لأنه عندنا أسئلة مما يبدو كثيرة- الرجوع إلى الدين معناه الرجوع إلى فهمه -أولاً- فهماً صحيحاً على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح -كما ندعو الله الناس دائماً إلى ذلك- وثانياً: العمل بهذا الدين الذي فهمناه فهماً صحيحاً،