وهذا الذي ذكرناه فيما يتعلق ببيان وضع هذه الترجمة (باب جامع)، و ما يلحقها من تجريد الإضافة أو ضمها إليها، وما وقع من كونه يغلب في التراجم الصغرى هي المبدوءة بـ (باب)، ووقع قليلا عند آخرين من الفقهاء أنهم ترجموا بترجمة كبرى هي (الكتاب الجامع)، وأن ذلك من خصائص المالكية لفظا لا معنى = فيه إرشاد إلى مأخذ نافع من الفقه؛ وهو ملاحظة التراجم الفقهية بالعناية.
فإن التراجم الفقهية إجمالا وتفصيلا فيها علم عظيم:
تارة من جهة سرد تلك التراجم في ترتيبها: فمن الحنابلة - مثلا - من ختم الفقه بـ (كتاب الجهاد)، ومنهم من ختمه بـ (كتاب العتق)، ومنهم من ختمه بـ (باب الإقرار) من (كتاب القضاء).
وتارة باعتبار صياغة تلك التراجم: فتارة تصاغ ترجمة بلفظ، وتصاغ في طبقة أخرى من المذهب نفسه بلفظ آخر.
وقد عني بالتراجم الحديثية عناية فائقة؛ فحررت فيها تصانيف في القديم والحديث؛ إما باعتبار الكتاب؛ كـ «صحيح البخاري»، أو باعتبار التراجم الحديثية إجمالا؛ كجملة من الرسائل العلمية المتأخرة.
وأما التراجم الفقهية فاقتصرت عناية بعضهم على بيان أسرار ترتيبها، وصنفت في ذلك رسالة لأحد المعاصرين، لكن وراء ذلك ما وراءه من علوم نافعة.
فينبغي أن يعتني طالب العلم - عند مروره بهذه التراجم - بفهم ألفاظها، وفهم تاريخ هذه الترجمة وتطورها، وفهم ما دخل في صياغتها من زيادة أو نقص، أو إجمال أو تفصيل.
وبهذا تفهم العلوم وتدرك؛ فإن سبر غور العلوم يجعلها مستقرة في القلوب، ويحيط المتلقي بها، أما ألا يدرك المتفقه الفرق بين طريقة المالكية في بداءتهم كتب الفقه عادة بما يتعلق بـ (مواقيت الصلاة) وبين فعل أكثر الفقهاء غيرهم من بداءتهم كتب الفقه بـ (باب المياه) من (كتاب الطهارة)؛ فهذا يجعل إدراك الفقه عند ملتمس العلم ضعيفا.
وقس على هذا من المسائل المتعلقة بالتراجم.
ومن اعتاد أن يقف مع كل ما يذكره أهل العلم بفهم وإدراك؛ احتد ذهنه، وقوي فهمه، ومهر في صناعة العلم.
أما من أخذ العلم كما؛ فقد ضاع منه لما.
فالذي يأخذ العلم معتدا بكثرة ما يجمع من المسائل فهو في الحقيقة لا يفهمها فهما تاما، والذين يفهمون المسائل - ولو قلت - فهما صحيحا؛ يستطيعون البناء عليها.
وأما الذين يأخذونها إجمالا بلا فهم فهؤلاء يقفون عما تعلق بها من أحوال تتعلق بإفتاء، أو تتعلق بنوازل تحدث في زمن جديد أو مستقبل.