مدينة زنجبار، تلك الجزيرة الساحرة الواقعة قبالة سواحل تنزانيا في شرق إفريقيا، تخفي في أرجائها تاريخًا حافلاً ومزيجًا ثقافيًا فريدًا يربط بين الشرق الأوسط وشرق إفريقيا. ولعل أكثر الفصول إثارة في تاريخ زنجبار هو فترة حكم سلطنة عمان، التي امتدت على مدى قرنين من الزمن، والتي شهدت تحول الجزيرة إلى مركز تجاري مزدهر يربط بين قارات العالم.
بدأت العلاقة بين عمان وزنجبار في أوائل القرن السابع عشر عندما تمكن العمانيون من طرد البرتغاليين من عدة مواقع على الساحل الشرقي لإفريقيا، بما في ذلك زنجبار. كان البرتغاليون قد سيطروا على المنطقة لأكثر من قرن، ولكن قوة عمان البحرية تمكنت من هزيمتهم واستعادة السيطرة على العديد من الموانئ والمناطق الساحلية. بحلول القرن الثامن عشر، أصبحت زنجبار جزءًا من الإمبراطورية العمانية.
زنجبار، التي كانت تتمتع بموقع استراتيجي بين طرق التجارة البحرية الرئيسية، أصبحت مركزًا رئيسيًا للتجارة تحت الحكم العماني. وشكلت هذه الجزيرة جزءًا هامًا من السلطنة العمانية الكبرى، حيث استخدم العمانيون زنجبار كقاعدة لتعزيز سيطرتهم على الساحل الشرقي الإفريقي، ولإدارة تجارتهم في المحيط الهندي.
بحلول القرن التاسع عشر، كانت زنجبار في ذروة ازدهارها التجاري. وفي عام ألف وثمانمائة وأربعين، قرر السلطان سعيد بن سلطان، حاكم عمان، نقل عاصمته من مسقط إلى زنجبار، في خطوة تاريخية جعلت من الجزيرة مركزًا لإدارته. كانت زنجبار خلال تلك الفترة محطة رئيسية في تجارة التوابل والعبيد والعاج، حيث كانت السفن تأتي من جميع أنحاء العالم محملة بالبضائع المختلفة، لتصبح زنجبار سوقًا عالميًا للتجارة.
من بين أبرز السلع التي اشتهرت بها زنجبار خلال تلك الفترة كان **القرنفل**، حيث أصبحت الجزيرة واحدة من أكبر منتجي هذه التوابل على مستوى العالم. وازدهرت مزارع القرنفل في الجزيرة، وتدفق العمال إلى زنجبار للعمل في هذه المزارع، ومعظمهم كانوا من العبيد الذين جلبوا من الداخل الإفريقي. ساهمت هذه التجارة في إثراء المدينة وتعزيز دورها كمركز اقتصادي وثقافي مهم.
أدى حكم العمانيين لزنجبار إلى تمازج ثقافي فريد بين الحضارتين العربية والإفريقية. تزوج العرب من السكان المحليين، وبدأت اللغة السواحيلية، التي هي خليط بين العربية واللغات الإفريقية، تنتشر وتزدهر في المنطقة. كما أن العمارة في زنجبار تحمل بصمات واضحة لهذا التمازج، حيث نجد العديد من المباني ذات الطابع العربي التقليدي ممزوجة بالتفاصيل الإفريقية.
أحد أبرز معالم زنجبار هو **مدينة الحجر (Stone Town)**، التي تعد اليوم موقعًا تراثيًا عالميًا وفق تصنيف اليونسكو. تضم المدينة العديد من القصور والمساجد والمباني التجارية التي بُنيت في فترة الازدهار العماني. أبرز هذه المعالم هو **بيت العجائب**، الذي بناه السلطان برغش بن سعيد في القرن التاسع عشر، والذي كان يعد آنذاك من أكثر المباني تطورًا في إفريقيا، حيث كان أول مبنى في المنطقة يحتوي على كهرباء ومصعد.
بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان في عام ألف وثمانمائة وستة وخمسين، انقسمت السلطنة العمانية إلى قسمين: أحدهما في عمان والآخر في زنجبار. استقل حكام زنجبار من أسرة البوسعيدي بالحكم عن مسقط، وأصبحوا حكامًا مستقلين. شهدت زنجبار خلال هذه الفترة العديد من التحديات السياسية، بما في ذلك التنافس الدولي على السيطرة على المنطقة.
رغم استقلال زنجبار عن عمان، حافظت الجزيرة على علاقاتها التجارية والسياسية القوية مع العالم العربي وبقية دول المحيط الهندي. كانت سلطنة زنجبار جزءًا من النظام التجاري العالمي، وشكلت محطة رئيسية في تجارة العبيد التي كانت أحد أبرز مصادر الثروة في تلك الفترة. هذا الأمر جلب انتقادات دولية، وخاصة من قبل القوى الغربية التي كانت تسعى لإنهاء تجارة العبيد.
مع تزايد الضغوط الدولية لإنهاء تجارة العبيد، وخاصة من قبل بريطانيا، التي كانت لها مصالح اقتصادية وسياسية في المنطقة، بدأت سلطنة زنجبار تفقد قوتها تدريجيًا. في عام ألف وثمانمائة وتسعين، أصبحت زنجبار محمية بريطانية، ومع ذلك، استمر الحكم السلطاني الشكلي تحت إشراف البريطانيين.
في عام ألف وتسعمائة وأربعة وستين، وبعد فترة طويلة من الاحتجاجات والاضطرابات السياسية، شهدت زنجبار ثورة أدت إلى الإطاحة بالحكم السلطاني، وانضمت الجزيرة إلى تنزانيا لتشكيل الجمهورية المتحدة لتنزانيا الحديثة.
رغم انتهاء حكم العمانيين منذ أكثر من قرن، إلا أن زنجبار ما زالت تحمل آثار تلك الفترة الذهبية. الثقافة السواحيلية التي تزخر بالمزيج العربي والإفريقي لا تزال حية في الجزيرة، ويعتبر المسلمون اليوم الأغلبية في زنجبار، مما يعكس التأثير العماني العميق على السكان المحليين. كما أن العمارة التقليدية والمباني التاريخية التي بناها العمانيون ما زالت قائمة، وتستقطب السياح من جميع أنحاء العالم.
يعتبر *تراث زنجبار* درسًا في التعايش الثقافي والتفاعل الحضاري بين العالمين العربي والإفريقي، كما يعكس الدور المحوري الذي لعبته التجارة في تشكيل هوية زنجبار وتاريخها. وبينما قد تكون زنجبار قد انحسرت عن موقعها كمركز تجاري عالمي، إلا أن قصتها لا تزال حية وتُروى من خلال مبانيها القديمة وشوارعها الضيقة وتاريخها العريق.
إن قصة زنجبار تحت حكم العمانيين ليست مجرد فصل من فصول التاريخ المنسي، بل هي شهادة على قدرة الإنسان على التفاعل والتأثير المتبادل بين الثقافات. إنها قصة تُظهر كيف يمكن للتجارة والسياسة أن تجلب الحضارات معًا، وتخلق مزيجًا ثقافيًا فريدًا يبقى أثره لأجيال طويلة.