"عصابة الأربعة" ووثيقة الوفاء.. الساسي يستعرض محطات من مسار نجيب أقصبي الفكري والسياسي
استعرض أستاذ العلوم السياسية محمد الساسي المسيرة النضالية والفكرية للخبير الاقتصادي نجيب أقصبي، مسلطاً الضوء على مراحل مفصلية في تاريخ الرجل الذي وصفه بالمناضل المبدئي الذي اختار "الطريق الصعب" في مسيرته السياسية والأكاديمية.
بدأ الساسي شهادته بالعودة إلى السبعينيات، تلك الحقبة التي عاشتها الجامعة المغربية على وقع المد الماركسي.
وقال: "في السبعينيات كنا كلنا ماركسيين في الجامعة... كان يقرّينا المكي الناصري، لكننا كنا نقول له الرفيق".
وأضاف أنّ نجيب أقصبي ينتمي إلى "جيل السبعينات الذي عُرف بأن لديه مقولات ثابتة: النظام لا وطني ولا ديمقراطي، وكانت الهوة بين الأحزاب الوطنية الديمقراطية والنظام شاسعة جداً".
وأشار الساسي إلى أن تلك المرحلة شهدت اشتغال أقصبي في القطاع الطلابي، حيث "كان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عملياً أكبر حزب سياسي من الناحية العملية، وكان الملك يستقبل اللجنة التنفيذية بعد كل مؤتمر".
انتقل الساسي للحديث عن المرحلة الثانية من مسار أقصبي، الذي "ساهم في بناء الشبيبة الاتحادية وفي تأسيس استراتيجية النضال الديمقراطي".
وأضاف: "ستكون المرحلة الثانية التي سألتقي معه فيها بصورة مباشرة حينما سيكون عضواً في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وسيكون مقرراً للجنة الاقتصادية".
وفي هذه المرحلة، كما يقول الساسي، لعب أقصبي دوراً محورياً في وضع البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للكتلة الديمقراطية الذي تضمن أكثر من مائة نقطة. ولاحظ الساسي نزعة أقصبي النقدية داخل الحزب، حيث "كان دائماً ينبه للمنزلقات... وكان يقع في نظري أننا وقعنا في المنزلقات رغم تنبيهات نجيب".
استعرض الساسي المرحلة الثالثة التي عايشها مع أقصبي والتي شهدت "مجموعة من الاختبارات: اختبار الدستور، اختبار المشاركة الحكومية، واختبار التحضير للمؤتمر الوطني السادس".
وفي ما يتعلق بالمشاركة الحكومية، كان موقف أقصبي واضحاً إذ كان يردد: "استحالة سياسة بديلة بدون حكومة منسجمة" وأن "المشكل الاقتصادي الأول في المغرب هو مشكل سياسي".
وحسب الساسي، أصر أقصبي على التصويت بشأن المشاركة في الحكومة قائلاً: "يجب أن نختم مداولاتنا حول المشاركة في الحكومة بالتصويت، ولو أصوت لوحدي".
كشف الساسي أن أقصبي كان أحد أعضاء ما أسمته الصحافة آنذاك "عصابة الأربعة"، وهي مجموعة من قيادات الاتحاد الاشتراكي الذين صوتوا ضد قرار الحزب، وتضم إلى جانب أقصبي كلاً من محمد الساسي وخالد السفياني والطيب بناني.
وأشار إلى أن أقصبي جمع أصدقاءه في فترة التحضير للمؤتمر السادس وقال: "إذا كان لنا موقف قديم من آراء القيادة والخط الرسمي للقيادة، نلتزم بالبقاء في الحزب، ولكن نقدم وثيقة، ولأول مرة نقترح أن تُقدم أكثر من وثيقة، ونعطي للمناضلين الحق في أن يصوتوا على الوثيقة التي يريدون".
وكان أقصبي يكرر دائماً: "نحن لا ننازع في شرعية الأشخاص، بل ننازع في شرعية الوسائل، يجب أن تكون الوسائل ديمقراطية".
رُفضت هذه الفكرة، لكن ظلت الوثيقة التي حضرها أقصبي مع رفاقه والتي سُميت "وثيقة الوفاء للديمقراطية" شاهدة على رؤيته الإصلاحية.
أبرز الساسي أن أفكار أقصبي وتياره انصبت على قضية محورية: "كيف ننتقل من الزعامة التاريخية إلى الزعامة الديمقراطية؟". وشرح أن القادة التاريخيين "كانوا باسم التاريخ يملكون ما يشبه التفويض العام الدائم لتحديد خط السير الحزبي"، مضيفاً أن ذلك "لم يكن دائماً ناجماً عن نزعتهم الاستبدادية، ولكن عن حبنا لهم، نحن الذين تركناهم عملياً يستفيدون من هذا التفويض".
وقدم الساسي وصفاً للقائد التاريخي في الأحزاب المغربية التقليدية بأنه "قائد يجب أن يكون قد ساهم في الحركة الوطنية، يعرفه الملك، يأتي متأخراً للاجتماعات، يحظى بنوع من التشريفات، ليس ضرورياً أن يكون قد قرأ مقررات الحزب، يقوم دائماً بالحكي التاريخي حتى عندما لا يتطلب المقام ذلك، ويستفيد من نظام امتيازي وحصص زائدة في الكلام ومقاطعة الجميع والرد عليهم ورفض النقد".
اختتم الساسي كلمته بالإشارة إلى ما سماه "الديمقراطية بأثر رجعي"، مستشهداً بتعيين عبد الرحمن اليوسفي وزيراً أولاً، حيث "اجتمعت اللجنة المركزية فطرح نجيب أقصبي وأصدقاء له نقطة نظام: هل هذا الاجتماع هو لتزكية والاتفاق على برنامج الحكومة مادام الأخ يوسفي قبل، أم لكي نقرر هل نشارك أم لا نشارك؟".
وانتقد الساسي طريقة عقد المؤتمرات الحزبية التي كانت تُقدم فيها مشاريع التقارير "بنفس الصيغة التي قُدمت بها" دون تغيير، مؤكداً أن القيادات كانت تقول للمناضلين: "نحن لم نأتِ بكم لتغيروا مشاريع القوانين، نحن أتينا بكم للتنفيس".
وختم بأن نقد أقصبي ورفاقه للقيادات كان دائماً يُعتبر "مؤامرة خارجية"، وأن "جزءاً كبيراً من السياسة كما كانت تمارسها القيادات كان مسيَّجاً بثقافة الكتمان"، مشيراً إلى أن السؤال العميق الذي طرحه أقصبي كان: "هل كل الوسائل يجب أن ترتبط بالأهداف؟ هل يمكن أن نصل إلى أهداف نبيلة بوسائل واطئة؟".