لوي ماسينيون، المسلم داخل المسيحيين، والمسيحي داخل المسلمين...
«جذبني الشرق إليه بماضيه الحافل بالديانات، فإذا أنا غارق فيه إلى قمة رأسي، وإذا فلاسفة الإسلام ومتصوفوه يحظون جميعاً بالقسط الأكبر من تفكيري، وإذا أنا بعد دراستي إياهم أنجذب نحو المنبع الأول الذي استقى منه هؤلاء الفلاسفة تصوفهم وفلسفتهم».
هكذا تحدّث المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون عن رحلته الفكرية والروحية للشرق العربي الإسلامي.
عاش لوي ماسينيون بين عالمين، فهو المسلم داخل المسيحيين والمسيحي داخل المسلمين.
اهتم في اعماله الفكرية بشخصيات اشكالية، شخصيات قلقة، تقع في مفترق الهويات ويصعب القبض عليها.
لوي ماسينيون، المستشرق الكاثوليكي ذهب إلى الشرق مبشّرا بالمسيحية، وحاول أحيانا التوفيق بين تعاليم الكتاب المقدّس و الخارطة الإستعمارية، ولكنه عاد إلى الغرب مبشّرا بإسلام آخر وجد فيه عقيدته المسيحية.
فعلى عكس مواطنه المستشرق أرنست رينان Ernest Renan الذي وضع الإسلام خارج القداسة في كتابه "محمد وأصول العقيدة الإسلامية"، و اعتبره غريبا عن اليهودية والمسيحية سيعمل لوي ماسينيون على البحث عن الجذع الإبراهيمي المشترك بين الإسلام و اليهودية والمسيحية، وسيبحث عن ذاته المسيحية في الإسلام، وسيحاول الكشف عن أسرار هذا الإسلام الذي وُلد غاضبا من رحم اليهودية والمسيحية، والذي كُتب على حد تعبيره بدموع هاجر التي ظلمها الوعد الإلهي. سيبحث عن مريم العذراء في فاطمة وسيجد ذاته في سلمان الفارسي الشاهد المسيحي الأول على الإسلام، والشخصية المحورية في نشأة التشيع، وسيبحث عن الخيط الناظم بين أسطورة النيام السبعة في التراث المسيحي وقصة أصحاب الكهف في النص القرآني.
لكن الاهم في رحلته الفكرية هو أنه سيجد في آلام الحسين بن منصور الحلاج وهو يصلب آلام المسيح، وسيترك لنا أعظم مؤلّف كُتب حول الحلاج.
الحلاج انقذ لوي ماسينيون عندما استجار به وهو محكوما بالإعدام في بغداد من طرف الأتراك سنة 1908، ولوي ماسينيون سينقذ الحلاج من النسيان عندما ناقش أطروحته "آلام الحلاج" سنة 1922، بعد أكثر من ألف عام على صلبه في بغداد.
نجيب البكوشي.