٣-٤٤- إسقاط مفهوم الزنا والزواج والمتعة ٣ (إسقاط الولي والشاهدين على عقد الزواج)
قضية اشتراط وَلِيٍّ وشاهدين على عَقْدِ الزَّوَاج
نقول: لا يُشْتَرَطُ الوَلِيُّ ولا الشُهود على عقد الزواج، للمقصودين بالرسالة آنذاك، ناهيك عن اليوم.
فقولنا "لا شهود" آنذاك:
• لأنَّه لا يُوجد في القرآن دليلٌ يَدُلُّ على الإشهاد على الزواج، وقد سَطَّر الله في القرآن إشهادًا للبيع والدَّيْن وأحكام البَيِّنَات والقضاء، ولم يذكر أو يشترط للزواج شهادة البتة، وأنْ يكون له شهادة مُسْتَغْرَب عقلًا، وسنوضح ذلك.
• كذلك لا يُوجد دليلٌ واحِدٌ في السُنة الصحيحة يدل على اشتراط شُهُودٍ على النكاح، (وحديث لا زواج إلا بِوَلِيّ وشاهِدَي عَدْل، هو حديث غيرُ صحيحٍ وفي رِجَالِه المَتْرُوك أو المُرْسَل)، ولا يوجد في الكتب الصحيحة ولم ينطبق عليه شرط الصحة عندهم، وهذا الحديث ما بَنَى عليه أصحاب بعض المذاهب إلزامهم بالشهود.
• بل تَجِد مِن أحاديثهم الصحيحة أنَّ الرسولَ تَزَوَّجَ بلا عقد ولا شهادة ولا إذن وَلِيٍ لجاريةٍ كانت له ولم يَعرِف أصحابه بذلك إلا عندما حَجبها كباقي نسائه، كما أخرج مسلم في صحيحه، في كتاب الحج، بَابُ فَضِيلَةِ إِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا.
• وقد تواتر على عدم وجود شهود للزواج في كتب الفقه الموروثة، والتي لا تهمنا ولا تُلزِم أحدًا، ولكننا نقولها هنا لإثبات أنَّ المَوْرُوث الثابت عند الناس غير ما يظنون.
• وفي كتاب (المُغنِي، الإشراف لابن المنذر): أنَّ النكاح يصح بدون شهود.
• ورُوِي هذا القول عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسن بن علي، وبعض التابعين، وأبي ثور، وابن المنذر)
وقولنا "لا إِذْنَ لولي" آنذاك:
• لنفس ما سبق، فلا دليل على اشتراطه في القرآن ولا في السُّنة الصحيحة (المزعومة).
وآية (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... ﴿25﴾ النساء)
فهذه التَّوصِيَة حصرية لما ملكت اليَد مِن الجَوارِي عندما جاءت الإشارة إليهم مِن إباحة الزواج منهن، فوصَّى الله باستئذان أهلها لسبب لا نعلمه، ولم يُوصِي بهذا عندما تحدث عن الحرائر، وقد تحدث الله في أماكن متفرقة عن النكاح بالحرائر والمحصنات بلا اشتراط لولي أو شهود، منها قول الله:
• (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿230﴾ البقرة)
• (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴿232﴾ البقرة)
ونقول:
ما العبرة بأنْ يتدخل وليُّ الأمر في أمرٍ خاصٍ مثل الزواج وشروطه!!.
فهذا انتقاص وتعدي على ذات المرأة التي يَخُصُها الأمر والمستفيدة منه أو المُتَضَرِرة منه، والمنتفع الأول مِن قصة الزواج، فهي مُحاسَبة يوم القيامة طالما بَلَغَتْ المَحِيض.
فلها ذاتية الإرادة والاختيار بلا تأثيرٍ أو إكراهٍ أو تلقين أو إملاء خارج نطاق النُصح.
والزواج علاقة جَسَدِيَّة في مقامها الأول، ومُسَاكَنة ومُعَاشَرة، فالاختيار فيها يندرج تحت الأذواق والتراضي، فرُبَّما ما يُعْجِب المرأة لا يُعْجِب أهلها والعكس وربما تَرْضَى بالقليلِ مِن المَهْر أو بلا مَهْرٍ؛ ويبالغ وَلِيُها فيه.
وما العِبْرة مِن وجود (وَلِيّ) يَرضَى وصاحِبَة الشَّأْن رافضة أو العكس!، وكيف يشترطون مُوَافَقَة الولي في بعض المذاهب كالمذهب الشافعي مثلًا ولم يشترطوا إذن المرأة، وفي مذهب أبي حنيفة يشترطون إذن المرأة وموافقتها ولا يشترطون وجود ولي أصلًا، ونقول لهم ماذا إنْ وافَقَتْ هي ورَفَضَ الوَلِيّ، فلو قالوا تتزوج نقول ما فائدة الوَلِيّ إذًا، وإن قالوا لا تتزوج فما فائدة إذنها إذًا، فأمرُ الوَلِي هذا غير أنه لا دَلِيل عليه؛ هو مَحْضُ استخفافٍ بالعقول وسَفَه.
ونقول: إن لم يكن هناك شهود ولا إِذْن وَلِيّ، فما الزواج آنذاك إلا توافق بين ذكرٍ وأنثى واتفاقٍ بينهما.
ويبقى العقد والشروط التي يشترطونها فيما بينهما، فما هي إلا أُمُورٌ اجتماعية وضمانات قانونية بالتوافق والتراضي ويمكن أنْ تُدَوَّن أو يُشهَد عليها كما يتطلب كل موقف وحالة، فهذا قانونٌ وليس إلزامًا وصحةً وشَرْطًا للزواج، بل هو تعارف اجتماعي اقتضت له الحالة خَشْيَة الجُحُود والنُكْرَان، ولكنه ليس بأمر إلهي (آنذاك).
ولا يَغُرُّ أحدٌ تَطَرُّقنا لقضايا الرأي والمذهبية، وقد قررنا خصوصية الرسالة، فتطرقنا هذا يؤكد عليها.
وإلا: فما معنى أنْ يَختلف الناس في فَهم الآيات والأدلة بعد وفاة الرسول وإلى اليوم، فمنذ شَبَّ الصِغار مِن أبناء المقصودين أمثال ابن عمر وابن عباس وأتباعهم مِن التابعين وكل هؤلاء في القَرْنِ الأول وهم مختلفون لدرجة العَدَاء؛ ومِن بعدهم أصحاب المذاهب الذين اختلفوا فيما بينهم؛ ومِن بعدهم الانشقاقات في كل مذهب، والأهم في الأمر أنَّه لم يكن هناك خِلَافٌ ولا غِيَاب أدلة ولا تَأَكُد مِن صِحة، ولا رَيْبَ في شيءٍ عندما كان الرسول موجودًا، وهذا ما يدل على خصوصية الرسالة والتوجيه.