لماذا يُترك رأس الظبي بعد الصيد؟ - أسرار في حياة الغزلان مع أسماء منها للنساء وانقراض الغزال السعودي
الفيديو يتناول جمال الظباء أو الغزلان وشيئا من أسرار معيشتها في الحياة البرية، وخفايا عن خوفها الفطري وكيف تتجنب الأخطار التي تهددها سواء من المفترسات أو الصيد والصيادين، لكن عرض الفيديو يعتمد على فكرة تعايش الناس سابقا معها، وكيف ينظرون إليها باعتبارها مخلوقات رقيقة مازلت ترتبط بالأسماء التي تطلق على النساء، وسيوضح الفيديو معاني تلك الأسماء في مشاهد تعطي المعلومات مصوّرة.
قد تسمع عبارة "راس ظبي" تُقال للدلالة على شخص أو شيء لا فائدة ترجى منه. وقيل في مثل شعبي طريف ينطوي على معلومة صحيحة (الغزال يصدق خشمه ويكذب عينه).
وعند بعض الأسر يوجد"غزلان في البيوت" استقرت كأسماء للبنات، وقد لا يعرف البعض معانيها.
وشرح المثل الشعبي: "راس ظبي ما فيه عراش" أو ما عليه عراش أو ما به عراش، أن العراش بقايا من اللحم الملتصق بالعظام يستخرجه البعض حينما يأكل بما يسمى "العرمشة". وفي معاجم العربية تأتي كلمة النَّهس وتعني أخذ اللحم بالأسنان الأمامية. ومنشأ المثل بسبب أن رأس الظبي صغير نسبيا فكان لا يطبخ بعد الصيد لأن الصيادين لا يجدون فيه لحما مثل الذي يجدونه في رأس الضأن، ويقال المثل للدلالة على شيء غير المرغوب أو لا منفعة منه أو الشخص الذي لا فائدة ترجى من أن تطلبه في أي شأن.
وتعد الظباء من رموز الجمال وحسن القوام وصحة الجسم. كانت وما زالت تشحذ قرائح الشعراء في معرض التشبيه ووصف من يحبون. ويقال في الحسن "أزين من قايد الريم". وأزين هنا بمعنى أجمل، والقائدة يرادفها كلمة العنود. فمن طبيعة الظباء في الحياة البرية وبخاصة ظباء الريم أنها تنتشر في مرعاها بهيئة مجموعة أو جميلة. والجميلة هي قطيع الظباء.. يتنقل عادة متتبعا واحدة منها تسمى العنود وهي القائدة. وكان الصياد المتمرس يتباهي بمهارته بإصابة العنود أولا، لأن المجموعة تتفرق حالما تسقط القائدة ثم يسهل عليه وعلى الصيادين المرافقين الظفر بغيرها لأنها ستتفرق باتجاهات مختلفة وهذا يقرب احتمالات صيد بعضها. فالمعتاد أن الظباء وخاصة الريم إذا نفرت وهربت تتبع العنود.. ومما يُذكر أن العنود أكثر تميزا بسرعة الحركة والرشاقة، فحسنها يلفت الانتباه.
وتكنى الظبية بأم الشادن، وشادن وشدن هي صغير الظبي إذا قوي واستغنى عن أمِّه، وإذا كان الظبي في أول أيام الولادة يسمّى الطلا. والخشف كلمة تطلق على صغير الظبي عموما. ومازالت أسماء العنود وجميلة وشادن وشدن تطلق في السعودية ودول عربية على المواليد البنات. ويوجد أسماء أخرى للنساء مرتبطة بالظباء أو أنواعها أو أوصافها ومراحل أعمارها، منها رشا: صغير الظبي إِذا قوي وتحرك ومشى مع أُمِّه. وخولة: اسم مرادف لكلمة ظبية. وعزة: هي بنت الظبية أي الغزالة.
والغزال والغزالة تصغر بكلمة كانت تسمى بها النساء هي غزيل. ويقصد بالغزال صغير الظبي أو الطلا بعد أن يقوى على المشي لكن كلمة غزال صارت تطلق كمرادف لكلمة ظبي على اختلاف مراحل العمر. وريم والريم يقصد نوع من الظباء الذي يغلب عليه البياض، بينما الأُدْم والإدمي والدماني وغزال الجبل نوع آخر بلون بني بينما البياض في بطنه، ويميزه طول أرجله وعنقه وخفة الحركة وطول القفزات والسرعة. ومها أو المها العربي نوع مميز بحجمه الكبير مقارنة بالظباء، ويشتهر باسم الوضيحي بسبب بياض اللون الذي يجعله يُرى من بعيد، وهو المقصود في معاجم العربية بـ البقرة الوحشية والخنساء.
وعفراء: مؤنث أعفر هو نوع آخر من الظباء يتميز ببياض مشوب بحمرة، وانقرض تماما من براري السعودية ولا وجود له الآن نهائيا، وكان انتشاره ينحصر في السعودية واليمن والكويت. ويعرف باسم علمي ترجمته الغزال السعودي.
وانتهت منظمة عالمية هي الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ومواردها IUCN إلى أن تؤكد في سجلاتها على أن العفري انقرض من الطبيعة. وروى لي كبار سن عن أوصاف العفري، أنه أصغر من الريم وبلون رملي، وفيه علامة فارقة هي لون داكن في ركبتي رجليه، وأنه أبطأ في العدو، وقد يكون ذلك سببا في سهولة صيده حتى انقرض.
ومما كان يُشاع من مبالغات أن الظباء تبقى في نشاط وعافية وصحة دائمة وأنها لا تموت إلا بالافتراس والصيد، ولهذا قيل في الأمثال للدلالة على النشاط:
فلان أعفى من الظبي..
وأصح من الظبي
وأنشط من الظبي
وقيل في الحذر أن: الظبي يكذب عينه ويصدق خشمه. وهذا مثل ينطوي على حقيقة كان يعرفها المتمرس في صيد الغزلان؛ حيث يتتبعها من الاتجاه المعاكس لاتجاه الرياح وليس من الاتجاه الذي تهب منه حتى لا تدفع الرياح الرائحة، فالظباء لديها حاسة شم قوية تستشعر بها رائحة المفترسات والروائح الغريبة ولهذا قيل المثل لأنه يدري برائحة خطر قريب منه حتى لو لم يبصر مصدر التهديد.
وحول الظباء والمها العربي يتكرر باستمرار سؤال: لماذا تطلق الظباء والمها في محميات ذات بيئة صحراوية في السعودية وهي لا تجد الماء خاصة في الصيف؟ ألا تموت في مثل هذه الحالات؟
والإجابة تكمن في مفهوم الجازي الذي كان يعرفه الأجداد الذين تعايشوا مع الطبيعة الصحراوية بغزلانها وأحيائها البرية. فالجازي: هي أحياء برية، ومنها الظباء والمها، وهبها الله أن تجزي "تجتزئ" أي تكتفي عن شرب الماء بما تجد من سوائل في النباتات البرية الرطبة التي تأكلها، مع قدرتها على التكيف مع البيئة الجافة بما تملك من خصائص في الجسم أو بسلوكها حينما تتحكم بفترات الرعي وتحد من حركتها إذا اشتدت أشعة الشمس وارتفعت حرارة الجو ولذلك فالظباء والمها، إذا توافر في مراعيها المحمية نباتات رطبة وأشجار ظل فإنها تعيش دون حاجة ماسة للماء مع أنها تشرب إن وجدته.
إن التوسع المحميات الملكية في السعودية مثل محمية الملك عبدالعزيز ومحمية الملك سلمان ومحمية الإمام توكي بن محمد ومحمية الأمير محمد بن سلمان وغيرها هو توسع يدعو للتفاؤل بأنها هي التي ستعيد الجوازي من الغزلان إلى التكاثر في صحاري المملكة باعتبارها تراث طبيعي له أهميته في السلسلة الغذائية وذات فوائد للنباتات البرية كونها ترعى نباتات لا تقوى عليها الماشية وتساعد أيضا في نقل ونشر بذور نباتات أخرى ذات قيمة رعوية عالية.
مع التحية
قناة محمد اليوسفي