كيف تسللت الفئران الطائرة للسعودية وانتشرت وما حل الخوف أن تصبح آفة مزارع ناقلة للأمراض؟ طائر المينا

يتناول الفيديو مشكلة متفاقمة، وهي تكاثر طائر المينا وانتشاره في مدن السعودية باعتبار أسرابه أحد أسوأ الطيور الغازية في كثير من دول العالم التي قام بعضها بحملات لمكافحة أسرابه، لأن سلوكها يقوم على التخريب والعبث في أي منطقة تستقر فيها؛ بحيث يمكن تشبيهها بسلوك الفئران التي تعبث بأي شي تجده في المكان الذي تنزل فيه. ويعرض الفيديو آخر المعلومات الحديثة لدى بعض المنظمات والدول التي بدأت بمكافحة أسراب المينا لأنها غازية تشكل آفة على الطيور المحلية وأعشاشها وأفراخها، وعلى المزارعين ومحاصيلهم. وسوف أعرض أيضا معلومات من سجلات تتبع ورصد وتصوير الطيور الذي أقوم به طوال عشرات السنين الماضية في البيئات الزراعية وفي الحياة البرية في السعودية، مع حل أقترحه لمواجهة لمشكلة تكاثر طيور المينا في مدن السعودية.
إذا كانت أنواع من الطيور مثل الهدهد والصرد وغيرها نافعة في مكافحة الحشرات فإن المينا الشائع
Common Mabuya
واسمه العلمي
Eutropis multifasciata
واحد من أبرز الطيور الغازية، وصنفه الاتحاد العالمي لصون الطبيعة ومواردها IUCN ضمن أسوأ 100 نوع غازي في العالم. والطيور الغازية هي أي نوع يتم ادخاله في غير بيئته الأصلية ويتسبب انتشاره بأضرار بيئة واقتصادية وصحية.
يتناقل البعض أسماء لهذا الطائر كالماينا والمينا الهندي، وهو نوع من الزرازير يتميز بتنوع غذائه حتى القمامة يلتقط ما يجد فيها من بقايا الطعام. عدواني تجاه الطيور الأخرى خاصة الأفراخ، ويندفع بجرأة لمهاجمة طيور وحيوانات أكبر منه ويبطش أحيانا بها كما لو أنه صقر ينقض على حبارى أو كالعقاب والجوارح التي تقوم في رحلات الصيد بالبطش بالفريسة من الطيور والثدييات. وقد بدأ انتشاره يلفت انتباه المهتمين في دول عربية مثل المغرب والجزائر وتونس وغيرها.
وكشفت الدراسات، بحسب تقرير عن منظمة بيئية بسلطنة عمان، أن للمينا مخاطر أو أضرار منها:
*مهاجمة اعشاش الطيور ويقتل صغار الطيور، ويفسد البيض ويحتل الأعشاش ليفرخ فيها، أي عدواني تجاه الطيور المقيمة والنافعة في بيئتها المحلية.
*يؤثر على سلاسل الغذاء في أماكن تواجده.
*يخرب بعض المزروعات ويتسبب بأضرار على محاصيل المزارعين، عندما تكون في طور النمو.
*يأكل النحل ولذلك قل الناتج عند مربي النحل بشكل ملحوظ.
*يساعد على نقل الأمراض والطفيليات والبراغيث.
*امكانية أن يحمل طائر المينا فيروسات مسببة لأمراض لا تتوفر لدى الأنواع المحلية مناعة كافية لمواجهتها.
كان المينا قبل أربعين سنة يُشاهد في السعودية بشكل محدود في مدن ساحلية لكنه حاليا توسع في الانتشار ليشمل كل المناطق بمدنها وضواحيها ومزارعها القريبة منها.
وأرى أن أحد أبرز العوامل التي دفعت إلى سرعة انتشاره عندنا في المملكة ولم أجد ذكرا لهذا العامل في الدراسات التي اطلعت عليها. ذلك الحدث الذي أشغل العالم كله قبل عشرين سنة تقريبا بما سُمي انفلونزا الطيور. ففي تقديري أن الذين كانوا يقتنون طيور زينة، ومنها المينا، سارعوا خشية من الاصابة إلى اطلاق الطيور من أقفاصها وتركها تمضي إلى حال سبيلها ثم بدأت تتأقلم كطيور مقيمة مدخلة لتفرخ وتتكاثر وتتزايد في الانتشار.
ونقلته قديما دول كأستراليا وأدخلته إليها للاستفادة منه كمكافح حيوي للحشرات في البيئات الزراعية، لكن استراليا نفسها صارت أخيرا من أبرز الدول التي تنبهت إلى ضرورة مجابهته ومحاصرة بؤر انتشاره، وسنت تشريعا يحاسب من ينشره فيها. وقد توسع انتشاره وتزايدت أعداده وأسرابه في العديد من دول العالم بما فيها دول أوروبية وآسيوية وأفريقية.
من التجارب التي ينتظر الاستفادة من نتائجها أن هيئة البيئة في سلطنة عمان أعلنت عن حملة سبقت بها الدول العربية وتركز تطبيقها الميداني في عام 2023م والغاية من الحملة مكافحة طير المينا مع غيره من الطيور الغازية كالغراب الهندي أو الغراب الدوري. وتتابعت الأخبار فيما بعد عن آلاف الأعداد التي قضي عليها في محافظات عمان.
وأرى أن حل مشكلة انتشار طير المينا في السعودية أن نبدأ بسرعة بإجراء دراسات ميدانية لسلوكيات الطير، فقد تكون متغيرة ومحكومة بالبيئات التي يعيش فيها لا سيما أن معظم السعودية طبيعة صحراوية جافة قد تجبره ألا يتمدد بعيدا عن العمران. ثم على ضوء معرفة النتائج يتم تحديد مدى أهمية المكافحة وجدواها وحتى تقوم المشروعات والميزانيات والجهود على قرارات تستند على معلومات صحيحة، ولذلك فالأولى أن تُجيّر الميزانيات لصالح ابتكار أو إيجاد حلول تتجه إلى التعايش مع طيور المينا كواقع، فقد تكشف دراسة سلوكه أن أضراره في البيئة الصحراوية أقل من أضرار وجوده في بيئات أخرى لاسيما أن مساحة السعودية، ولله الحمد، شاسعة، تتطلب أن تكون تكلفة المكافحة عالية. وأتوقع أن دراسة سلوك طيور المينا حاليا سيكون سهلا لأن السنين الأخيرة تشهد تحولا متصاعدا في المحميات الطبيعية والمحميات الملكية التي تضم في مساحاتها بعض القري والتجمعات السكانية، مثل محمية الملك عبدالعزيز الملكية ومحمية الملك سلمان الملكية ومحمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية ومحمية الإمام تركي بن محمد الملكية، وهذه المحميات يدخل في نطاقها قرى لا تخلو من بيئة زراعية سيكون طير المينا فيها موجودا، بحيث تتاح لفرق الباحثين فيما لو بدأ إجراء الدراسات أن تقدم ادارات تلك المحميات للفرق الدعم والتمكين والتسهيلات لعمل الدراسات.
تبقى مشكلة تزايد طير المينا أو غيره من الطيور والحيوانات التي تعيش في طبيعتها بين السكان أو في الحياة البرية فيما لو تسببت الزيادة في أعدادها بأضرار صحية واقتصادية وبيئية أن ينظر إليها بجدية لحماية الإنسان وممتلكاته ومقوماته ومقدراته لكن في نفس الوقت ينبغي - في تقديري - أن يراعى في الحلول المقترحة الرأفة والرحمة بتلك الطيور والحيوانات ولا تتعجل الجهات المعنية باتخاذ قرارات متسرعة في المكافحة العنيفة في وقت قد يكون الأولى الاتجاه إلى أبحاث ودراسات غايتها ابتكار حلول تجعل الزيادة في الاعداد لصالح الإنسان وبيئته. إن جميع المخلوقات في الكون شريكة مع الإنسان في حق الحياة.
مع التحية
قناة محمد اليوسفي