قال ابن رجب -رحمه الله- :
"كان السلف الصالح يتأسفون عند موتهم على انقطاع أعمالهم عنهم بالموت ؛ وبكى معاذ عند موته وقال:
إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر ..
وبكى عبد لرحمن بن الأسود عند موته وقال:
وا أسفاه على الصوم والصلاة ولم يزل يتلو القرآن حتى مات .
وبكى يزيد الرقاشي عند موته وقال:
أبكي على ما يفوتني من قيام الليل وصيام النهار ثم بكى وقال:
من يصلي لك يا يزيد بعدك ومن يصوم ومن يتقرب لك بالأعمال الصالحة ومن يتوب لك من الذنوب السالفة !
وجزع بعضهم عند موته وقال:
إنما أبكي على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم ويصلي المصلون ولست فيهم ويذكر الذاكرون ولست فيهم فذلك الذي أبكاني.
..
الموتى في قبورهم يتحسرون على زيادة في أعمالهم بتسبيحة وبركعة ومهم من يسأل الرجعة إلى الدنيا لذلك فلا يقدرون على ذلك قد حيل بينهم وبين العمل غلقت منهم الرهون
ورؤي بعضهم في المنام فقال:
ندمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل وأنتم تعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا أحب إليه من الدنيا وما فيها.
...
ما مضى من العمر وإن طالت أوقاته فقد ذهب لذاته وبقيت تبعاته وكأنه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته قال الله ﷿:
﴿أفَرَأيْتَ إنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ*ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ، ما أغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ﴾
تلا بعض السلف هذه الآية وبكى وقال:
إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم ..
وفي هذا المعنى ما أنشده أبو العتاهية للرشيد حين بنى قصره واستدعى إليه ندماءه :
عش ما بدا لك سالما … في ظل شاهقة القصور
يسعى عليك بما اشتهيت … لدى الرواح وفي البكور
فإذا النفوس تقعقعت … في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا … ما كنت إلا في غرور
يا أبناء العشرين كم مات من أقرانكم وتخلفتم
يا أبناء الثلاثين أصبتم بالشباب على قرب من العهد فما تأسفتم
يا أبناء الأربعين ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم
يا أبناء الخمسين تنصفتم المائة وما أنصفتم
يا أبناء الستين أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم
أتلهون وتلعبون ؟ لقد أسرفتم !
وإذا تكامل للفتى من عمره … خمسون وهو إلى التقى لم يجنح
عكفت عليه المخزيات فما له … متأخر عنها ولا متزحزح
وإذا رأى الشيطان غرة وجهه … حيا وقال فديت من لا يفلح
قال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تصل.
وإن امرءا قد سار ستين حجة … إلى منهل من ورده لقريب
يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه إنما تفرح بنقص عمرك قال أبو الدرداء والحسن ﵄:
إنما أنت أيام كلما مضى منك يوم مضى بعضك ..
إنا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا
فإنما الربح والخسران في العمل"
#مواعظ_ابن_رجب
#لطائف_المعارف
- قناة التليغرام : https://t.me/Rakb_m
- للتواصل (تليغرام) : abo9al5